تاريخ المغرب قبل الفتح الإسلامي (الفينيقيون والقرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون في المغرب)
الفينيقيون والقرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون في المغرب
الفينيقيون منذ أكثر من 1000 ق.م
الفينيقيون من الأصل الكنعاني، وهم أمة تجارية صناعية امتازت بنشاط عظيمى. وكانت بلادهم تعرف بفينيقيا، وقد برزوا في التاريخ كأمة ذات حضارة عظيمة منذ مئات السنين قبل الميلاد المسيحي، وكانت مدنهم عامرة زاهرة، وبلغوا شأوا بعيدا جدا في التمد والحضارة، وهم أول من استعمل الزجاج، وأول من ركب البحار بسفنهم البحرية التي صنعوها، وأول من علموا الدنيا الكتابة بالحروف الهجائية. ومن جابوا البحار بسفنهم الكثيرة، ويؤسسوا مراكز تجارية على الشواطئ الهامة، لأنهم لم يكونوا يفكرون إلا في التجارة وجمع الثروة من وراء تجاوبهم واستقرارهم في الأماكن التي تروقهم من جهات العالم.
وأهم مراكزهم على الشاطئ الإفريقي الشمالي هي: بزيوم بطرابلس الغرب، وزجيتان وقرطاجنة، وكلاهما بتونس، وهيبون بالجزائر، وروسادير (مليلية)، ولوكوس (العرائش)، وتنجيس (طنجة) وغيرها، وكلها في المغرب الأقصى.
وكانت صلتهم بالمغاربة تجارية محضة، تمثل في تبادل السلع عن طريق المقايضة وقد استفاد المغاربة من حضارة الفينيقيين بعض الاستفادة.
القرطاجيون (883 ق.م _146 ق.م)
في سنة 883 ق_م تأسست مدينة قرطاجة -على الأرجح - على الساحل التونسي، وكانت في أول عهدها ميناء تجاريا عاديا، إلى أن هاجرت اليها أسرة فينيقية برئاسة الأميرة عليشة ( Elessa) سنة 480 ق.م فمنذ ذلك الوقت فقط بدأت تظهر عظمة هذه المدينة، إذ حكمتها تلك الأميرة حكما ملكيا في بداية الأمر، وظلت محتفظة بتبعيتها لفينيقيا، ولكن بعد مرور زمان تحولت حكومة قرطاجة الى جمهورية ، وانفصلت في الحكم عن الوطن الأم نهائيا. وأخذت تشق طريقها نحو العظمة والازدهار، حتى بلغت في لك ذروة المنتهى وقد استولت هذه الجمهورية القوية على الشمال ال
إفريقي ك له، ومعظم اسبانيا وعدة جزر في البحر الأبيض، وكان لها جيش عتيد، وأسطول بحري كبير، استطاعت بواسطته أن تصول وتجول في البحر الأبيض وحدها زمنا طويلا.
وعاشت هذه الأمة الفتية القوية مايزيد على سنة قرون ونصف قرن، في بحبوحة العز والسلطان والحضارة والمدنية. وقد حاربت اليونان منافستها في البحر الأبيض المتوسط، وانتصرت عليها فأصبحت بذلك سيدة البحر بدون منازع.
ثم اشتبكت قرطاجة مع الرومان ، في عدة حروب مهولة، دامت أكثر من مائة سنة كانت خلالها تنتصر على الرومان انتصارات حاسمة، ولكنها في النهاية انهزمت أمام جحافلهم، فكان ذلك سبب خرابها ودمارها، وذهاب عزها وعظمتها، ولقد دخلتها الجيوش الرومانية، فهدمت مدنها وأحرقت كتب العلم والأدب والحكمة بخزائنها العامرة، وقتلت وشردت وعذبت آلاف القرطاجيين، فكان ما حل بهذه الجمهورية المغربية مأساة إنسانية قلما وجد لها مثيل في التاريخ .. وهكذا تحولت زعامة البحر الأبيض المتوسط إلى أيدي الرومان.
وكان القرطاجيون كأبناء عمومتهم الفينيقيين أمة تفضل الكسب والثراءفي حياة الهدوء والسلام. وقد استفاد المغاربة في إخوانهم القرطاجيين كثيرا من أساليب الحضارة في شتى الميادين، وبالأخص في ميدان السفن والصناعة والتجارة والتعليم، وكانت أهم مدنهم في المغرب هي: الصويرة ، والمهدية، والعرائش وطنجة وكلها على ساحل المحيط الأطلسي، ومليلية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.
الرومان ( 146ق.م _420م)
عندما تغلب الرومان على دولة قرطاجة ومحقوها محقا كبارا استولوا على بلادها وجميع مستعمراتها، التي كانت تابعة لها، ومن ضمنها سواحل المغرب الأقصى، فاحتلوا أولا تونس، وبعدها الجزائر، أما سواحل المغرب فإنهم لم يتمكنوا من احتلالها إلا في سنة 42م أي يعد اندحار قرطاجة بمائة وثمانين سنة، وقد اطلقوا على المغرب اسم موريتانيا. ومما تجدر ملاحظته أن الاحتلال الروماني في المغرب لم يتعد (سلا) على مصب نهر (بورقراق) وفي الداخل لم يتجاوز مدينة" Helupulis" (قرب مدينة زرهون)، أما باقي الوطن فقد ظل مستقلا يثور منه البربر على الرومان المستعمرين في كل فرصة سانحة، فينغصون عليهم العيش والاستقرار.
وأهم المدن الرومانية في المغرب، سلا كولونيا(سلا)، ولوكسوس (العرائش) وتنجيس (طنجة) ، عاصمتهم بالمغرب الأقصى، وكل هذه المدن تقع على الشاطئ الغربي . ومن مدنهم على الساحل الشمالي : مدينة روسادير (مليلية) ، ومن المدن الداخلية : مدينة هيلوبوليس، وكانت هذه المدن تتصل ببعضها بواسطة طرق حسنة التعبيد ، وكانت هذه المدن تتصل ببعضها بواسطة طرق حسنة التعبيد، وكانت هناك قلاع وبروج منصوبة في كل مكان للمحافظة على الأمن.
وقد عامل الرومان المغاربة بمنتهى مايتصوره العقل من القسوة والوحشية، لأنهم كانوا يعتبرون أنفسهم سادة وأهل البلاد عبيدا لهم. وقد ظل المغرب خاضعا لهم سنة435م، إذ في هذه السنة أعلن بونيفاس الحاكم الروماني العصيان على دولته واستدعى الوندال الذيت كانوا يحكمون اسبانيا- للقدوم إلى المغرب قصد نصرته، فلبى الوندال دعوته، وودخلوا المغرب في نحو ثمانين ألف مقاتل، بقيادة ملكهم جنسريك، ولكنهم بدل أن يعينوا بونيفاس حاربوه، كما حاربوا جيوش أعدائه، وظلت الحروب قائمة بين الرومان والوندال، إلى أن قضي نهائيا على الرومانيين في المغرب، وكثيرا ماكان المغاربة يعينون الوندال على الرومان في تلك الحروب، ظنا منهم انهم جاءوا لتخليصهم من الاستعمار الروماني، وقد ظل حكم الرومان في المغرب مدة ستة قرون تقريبا، وبعد هذا التاريخ جاء عهد الوندال.
الوندال(429م_534م)
الوندال من السلالة الجرمانية، وهم قبائل متربرة متوحشة استعانت بهم الدولة الرومانية على ضبط النظام أيام ضعفها، إلا أنهم مع مرور الأيام أصبحوا السادة المتحكمين في الرومان، ثم احتل هؤلاء الوندال فرنسا ثم اسبانيا، واستوطنوا على الخصوص في جزئها الجنوبي، الذي سمي باسمهم بأندلوش (الأندلس).
وقد علمت انهم دخلوا الى المغرب واحتلوه، ورغم ان المغاربة وقفوا في جانبهم ضد الرومان، فإنهم ما إن صفا لهم الجو في المغرب حتى بدأوا يرتكبون فيه أشنع الفظائع، فأحرقوا وهدموا المباني والمزارع وبقروا بطون الحوامل، وألقوا بالأطفال الرضع على الأرض، لأنهم كما قلنا كانوا قوما جهلاء متوحشين، وهكذا كان عصرهم بالمغرب أسوأ من سابقه.
وفي المغرب كون الوندال لهم دولة ملكية برأسها قائدهم العظيم "جنسريك"، وقد حكمت هذه الدولة رقعة الشمال الافريقي من طرابلس الغرب الى شاطئ المحيط الأطلسي، وكذلك اسبانيا، وأهم الجزر بالبحر الأبيض المتوسط. وكان لها جيش قوي يعد بعشرات الآلاف، وأسطول بحري ضخم مهام الجانب، وكانت عاصمتها بالمغرب tangis (طنجة).
وقد هاجم جنسريك روما وتمكن من الاستيلاء عليها، وأباحها لجنوده طيلة خمسة عشر يوما، فعاثوا فيها فسادا وخرابا، وقد ظل هذا الملك الجبار يحكم دولته في حزم ونشاط وقوة مدة عشرين سنة، ولما توفي سنة 477م دب الإضطراب في دولته، وانشقت على نفسها فقامت ضدها الشعوب التي كانت ترزخ تحت نيرها، ومن بين هذه الشعوب المغاربة، الذين لم يستفيدوا من هؤلاء الوندال شيئا ذا أهمية لأنهم كانوا متوحشين.
وانتهزت الدولة الرومانية الشرقية (الدولة البيزنطية) هذه الفرصة، فبعث بقائدها Belisrio (بلزار)، فاحتل قرطاجنة، واستمر يحارب الونداليين في الشمال الإفريقي حتى قضى على دولتهم نهائيا. وبذلك انتهى العهد الوندالي بالمغرب، بعد أن دام فيه زهاء 151سنة، وابتدأ العهد البيزنطي.
البيزنطيون(534م _ 640م)
علمت سابقا أن الدولة الرومانية قد وهن عظمها ودب فيها الضعف، وظلت كذلك إلى أن أدى بها الأمر في النهاية إلى انقسامها قسمين سنة 390 م.
1_ الامبراطورية الرومانية الغربية، وعاصمتها روما.
2 _ الامبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها بيزنطة(القسطنطينية حاليا) . وعرفت هذه الدولة عند العرب بالدولة الرومية.
وقد علمت أن الدولة الرومانية الشرقية هي التي قضت على الوندال في المغرب، وقد دام حكمها للشمال الإفريقي مدة 154 سنة . ولم يتغلغل احتلالها في المغرب كثيرا، كما كان الشأن في العهد الروماني، بل اقتصر فقط على طنجة وسبتة ونواحيهما، كما أن البيزنطيين عاملوا المغاربة بشيء من العدل والانصاف، ولكن المواطنين لم يتأثروا بحضارتهم فأثرا يستحق الاعتبار.
ختاما هكذا كانت مميزات الفينيقيين والقرطاجيين الرومان والوندال وهكذا كانت علاقتهم بالمغرب عبر التاريخ وأولهم البربر خاصة ، وقد ظل الأمازيغ محتفظا بمقوماته الموروثة في كل العهود ولم يتأثر بالحضارات السابقة رغم تعاقبها .
تعليقات
إرسال تعليق